العصائب والمقاومة الثقافية .. التجربة الناجحة وضرورة التعميم

623

العصائب والمقاومة الثقافية .. التجربة الناجحة وضرورة التعميم

بقلم / الشيخ عدنان الحساني

ما أن وضعت الحرب على الإرهاب أوزارها وخفت وطأة المواجهة العسكرية حتى حمل رجال العصائب لواء المواجهة من جديد ولكن هذه المرة بشكل آخر يتجلى معناه في مقولة (الجهاد الاكبر) ومقدماته المعلومة .

فإن جهاد النفس يحتاج فيما يحتاج إليه إلى معرفة النفس التي هي الطريق إلى معرفة الرب ، ليس ذلك فحسب ، فإن هذه المعرفة تقتضي أن تتوفر الآليات المناسبة لتطويرها وتحصينها أمام الثقافات الهدامة والحرب الناعمة التي تدب هذه الأيام في الساحة الثقافية العراقية كدبيب النمل . فجاءت التعليمات من قيادة الحركة بضرورة التشمير عن سواعد الحزم والجدية الفائقة لإعداد المشاريع الثقافية وتنفيذها على أوسع نطاق .

ليس من السهولة بمكان أن تتبنى مشروعاً ثقافياً مُنظّماً يَمتد هيكلياً على كافة مفاصل الحركة وكوادرها التنظيمية والجماهير المنضوية تحت لواءها من جهة ويمتد جغرافياً على أوسع نطاق من شمال البلد وحتى جنوبه من أجل المساهمة في تحصين المجتمع العراقي ثقافياً من جهة أخرى . فالصعوبات جمة والمشروع ضخم والمسيرة طويلة والثمرة المأمولة بعيدة المدى وبحاجة الى تأني وصبر فائقين . وبالمقابل فإن العدو يُسخّر كافة إمكاناته لتخريب الهوية الثقافية للمجتمع العراقي ، ومن المعلوم أن إمكاناته فائقة ومشاريعه عتيدة وقديمة .

إلاّ أن ذلك لم يمنع المقاومة (عصائب أهل الحق) بما تتمتع به من إرادة صلبة وإيمان بالغ بضرورة تحمل المسؤولية والتكليف الملقى على عاتق المجاهدين الرساليين فراحت تسخر كُل الطاقات البشرية والعلمية والتنظيمية والتخطيطية لوضع الدراسات والخطط والبرامج التي تسهم في إنجاح المشروع وتنفيذه بالقدر الذي يضمن تكوين بُنية دفاعية أمام الهجمة الثقافية الشرسة التي يتعرض إليها مُجتمعنا ويُهدّد مُستقبله في طمس هويته الثقافية الدينية والوطنية .

ثمة بوادر طيبة تحمل تباشير نجاح هذا المشروع من خلال سُرعة إستجابة النخب الثقافية والتنظيمية في الحركة لإعداد خارطة الطريق لتنفيذ المشروع وبناء هياكله العملانية من حيث مداخله ومخارجه وتغذيته الراجعة وتحديد مُنطلقاته ومبادئه ليس هذا فحسب بل أن سُرعة إنصياع الفئات المُستهدفة وشعورها بأهمية المشروع وأهدافه الإستراتيجية أدى إلى خلق إنسيابية عالية في عملية التغذية والتحصين الثقافي .

لم تكن أهداف المشروع مَبنية على مُجرد إنتقائية تعتمد أنماطاً تقليدية في عملية الإرتقاء الثقافي للمُجتمع وإنما ترتكز أساساً على إيجاد طرق وأساليب مُتجدّدة شكلاً ومضموناً من خلال إعتماد معايير السلامة الفكرية وربطها بمضامين علمية مُستحدثة من حيث توليد الأفكار والمفاهيم .

الجدير بالذكر أن المشروع يُركز على أبعاد عقائدية وفكرية وإنسانية مُهمة وحساسة منها ما يرتبط بفلسفة الأخلاق ومفاهيم التدبر العميقة للقرآن الكريم والرؤى الموضوعية المرتبطة بالقضية المهدوية ومبادئ التنمية البشرية وأساليب الحرب الناعمة  بالإضافة إلى الأنماط التقليدية المُهمّة كالفقه والتلاوة وغيرها.

إن الهَم الثقافي للحركة ليس وليد اللحظة ولا يأتي في سياق ردود الأفعال فلقد كانت الحركة سباقة ومُنذ بداية نشأتها في تأصيل البُعد الثقافي بوصفه عُنصُراً وجودياً لها والحفاظ على البُنية الثقافية للمُجتمع خصوصاً إذا لاحظنا أن مُعظم المؤسّسين للحركة وُلدوا من رَحِم الحوزة العلمية الشريفة وتربّوا في دائرة هذا الوسط العلمي الأصيل .

من هُنا نَجِد أن من أكثر المبادرين إلى تحريك عَجَلَة المشروع الثقافي وتحويله إلى فعل إجتماعي مُستدام هو سماحة الشيخ قيس الخزعلي الأمين العام للحركة حيث كان حاضراً في عُمق الهَم الثقافي ومؤثراً إلى حد كبير في الأنساق العملانية للمشروع بما يَملِكُهُ من شعور بالمسؤولية الثقافية من جِهَة وأفكار تطويرية في عملية التلقين الثقافي من جهة أخرى .

أن شدّة إهتمام الحركة بالبُعد الثقافي وشعورها بأهميته الإستراتيجية جعل منها تجرُبة إستثنائية ونموذج يُحتذى به ولم تتأتى هذه النموذجية لمُجرّد إصدار التعليمات وَسَنّ القوانين التنظيمية ، بل أن الحركة بادَرَت إلى جعل الأصل في الإنتماء للحركة هو ضرورة الإيمان بمشروعها الثقافي والإلتزام الحرفي بكُل سياقاته العَمَليّة ، فالمدخل إلى الحركة هو من خلال مشروعها الثقافي وجميع التَدَرّجات والمخارج والسياقات هي ثقافية بإمتياز وهذه بادِرَة غير مسبوقة عند باقي الحركات والتنظيمات التي يبتني عَمَلَها على الأسُس التنظيمية التقليدية ذات الهيكلة الإدارية المتعارفة .

من هُنا أرى أن هذه التجربة كفيلة بالإحتفاء بها والعمل على تعميمها من خلال توصيفها للآخرين ولا يُمكن لهذا التوصيف أن يكون ماثلاً وفاعلاً ومؤثراً من دون توخّي آليات وَوَسائل قادرة على بناء جسور التواصل مع الآخر وهذا يَعني أن المفاصل الثقافية للحركة جديرة بالقيام بمسؤولياتها في إشاعة المنجز الثقافي والتشارك مع الآخرين بالهموم ذات الصلة بالهوية الثقافية للمجتمع .

إن السبل الكفيلة في تحقيق التشارك والإنتفاع بالتجارب هو عن طريق عقد الندوات النقاشية حول المشروع الثقافي وتوسيع دائرة الإهتمام المشترك والإنفتاح على سائر المؤسسات العلمية والثقافية للمرجعيات والأحزاب ومُنظمات المُجتمع المدني ذات العلاقة وتبادل الخبرات والطاقات ، وبذلك يُمكن لهذا المشروع أن يكون رائداً في تحقيق الكفايات وتحصين الهوية الثقافية للمُجتمع ولو بالحد الأدنى الذي يوفّر خطاً للصَد أمام مُحاولات الأعداء لإختراق هذه الهوية والتأثير على معنويات الناس وعقائدها .

اليوم الجميع في معرض المسؤولية الدينية والوطنية والكُل معني بتوخي أعلى درجات الحيطة والحذر أمام مُخططات الأعداء وكما قيل في الأثر (مَن نامَ لَم يُنَم عنهُ) وَلَعَلّ أخطر مَكامِن الغيلة هو الإغتيال الثقافي والمعنوي ، فالأمة التي تتعرض لتصفية مَعنوياتها وثقافتها هي أمة في طريقها إلى الموت الحضاري .

التعليقات مغلقة.