العصائب والكيان الإسرائيلي .. العداء المقدس

528

العصائب والكيان الإسرائيلي .. العداء المقدس

بقلم / أحمد رضا المؤمن

تمتد جذور العداء بين اليهود والبشرية عامة وبين اليهود والمسلمين بصورة خاصة إلى عمق التأريخ لأسباب تتعلق بالعقيدة المنحرفة التي أصبحت عليه الديانة اليهودية بعد قيام كهنة اليهود بتحريف (التوراة) الكتاب السماوي المقدس الذي أنزل على النبي موسى “ع” عندما بدأ تقسيم البشرية لديهم إلى صنفين هُما (اليهود) و(الغويائيم ـ الحيوانات) أي بإعتبار كل الناس غير اليهود هم من الحيوانات أو البشر الأدنى المسخر لخدمتهم !

وإستمر هذا العداء بشكل مُتوازي تأريخياً مُنذ بداية تحريف التوراة وسيطرة رجال الدين اليهود العارفين بخفايا وأسرار الدين الحق ومعرفتهم اليقينية بأن الدين الحق والخاتم سيأتي على يد خاتم الأنبياء مُحمّد “ص” وسيحفظ الله تعالى دينه الإسلام هذا رغم كُل أشكال الظلم والفساد والتحريف التي سيُحاول أعداء دين الإسلام القيام بها وستتوج مسيرة الحق الإلهي وأنصاره من المستضعفين بظهور قائم آل مُحَمّد الذي تؤكد الروايات المتواترة أن عملية ظهوره المقدس وقيام دولته العادلة ستصاحبها حالات مطاردة شديدة لليهود يعينهم فيها حتى الحجر الذي يختبيء اليهودي خلفه فينادي ـ الحجر ـ على جنود الإمام المهدي “ع” بأن هذا يهودي يختبيء خلفي فتعال وإقتله .

وبعد تحقق وعد “بلفور” المشؤوم وقيام الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1948 بدأ الصراع العربي الإسلامي مع الكيان الصهيوني أبعاداً مختلفة من حيث الشدة والخفة ومن حيث آليات الصراع والمواجهة التي تكون مرة بآليات قومية وأخرى بآليات وطنية وغير ذلك ، إلا أن كل ذلك لم يقضي على الكيان الإسرائيلي الغاصب وإحتلاله الصارخ الفاضح بعد أن تمكنت مخابراتهم وبواسطة الزعماء العرب العملاء والأغبياء من الإقتراب من تحقيق أحلامهم التوسعية المريضة فحصلت نكبة حزيران 1967 تبعتها نكبات مُتعددة الأشكال والقوة والإتجاه والإسلوب .

إلا أن فجر الحق قد بزغت شمسه مع فجر الثورة الإسلامية التي إندلعت في إيران على يد آية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الخميني “رض” في 11 شباط 1979 قد أعلنت منذ يومها الأول عن عداءها التام للكيان الإسرائيلي الغاصب ودعمها التام لكل حركات التحرر والمقاومة في العالم وعن تصديرها لفكر وثقافة الثورة الإسلامية في الثورة والمقاومة ضد كل أشكال الظلم والعدوان والإحتلال وفي مقدمته ظلم وعدوان وإحتلال الكيان الصهيوني لفلسطين ، وأعلن السيد الخميني منذ ذلك الحين عن تسليم مبنى سفارة الكيان الإسرائيلي في طهران إلى منظمة التحرير الفلسطينية وأعلن الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوماً للقدس على المسلمين إحياءه كل عام في كل مكان للتذكير بالقضية الفلسطينية وتداعياتها .

وسرعان ما إنتشر الوعي الإسلامي المقاومة ببركة أنوار هذه الثورة الإسلامية الصادقة والمناصرة للأحرار والمستضعفين فتأسس حزب الله في لبنان عام 1982 وإستطاع في سنوات قليلة من طرد الإحتلال الإسرائيلي من معظم أراضي جنوب لبنان المحتلة عام 2000م ، وفي العراق وفي بداية تسعينيات القرن الميلادي الماضي إنطلق زعيم الحوزة العلمية شهيد الجمعة آية الله العُظمى السيد مُحمّد الصدر “رض” بمشروعه الثائر الإصلاحي النهضوي التنويري الكبير فأعلن وفي عشرات المناسبات والمواقف عن تأييده للثورة الفلسطينية ضد الإحتلال الإسرائيلي والمقاومة الإسلامية في لبنان وعن تمنيه لتطوير هذا الدعم والتأييد إلى دعم مالي وتسليحي .

كما أن المرجع الشهيد الصدر نبّه إلى أن الصراع مع الكيان الإسرائيلي ينبغي أن يكون بالضد النوعي له أي من خلال تبني المقاومة الإسلامية وليس العلمانية والوطنية والقومية وما شابه . فكان بذلك الشهيد الصدر يؤسس إلى خط إسلامي ـ شيعي ـ مقاوم يمتلك رؤية كاملة وشاملة وقادرة وواعية ومؤمنة يُمكن أن تؤسس للبدء بالعد التنازلي للكيان الإسرائيلي الغاصب وإمتداداته في فلسطين والمنطقة فكان أبرز وأوضح وأقوى مصاديق هذا الخط هو حركة عصائب أهل الحق التي تأسست في العراق في 3 آيار 2003م والتي كانت لها محطات ومواقف تأريخية يُمكن من خلالها الإطمئنان إلى كونها تنتهج خطاً سياسياً وفكرياً وإجتماعياً وثقافياً واعياً جداً في التعامل مع موضوع الإحتلال الإسرائيلي إتضح من خلال عملياتها العسكرية في فترة الإحتلال أو من خلال المواقف السياسية المبدئية لأمينها العام الشيخ قيس الخزعلي أو أقواله ورؤاه حول هذا الموضوع في أكثر من مناسبة أو محطة .

وتعتبر حركة عصائب أهل الحق الوريث الشرعي ومن كُل النواحي السياسية والثقافية والدينية والإجتماعية لمرجعية ومشروع المرجع الراحل شهيد الجمعة آية الله العظمى اليد مُحمّد الصدر “رض” خصوصاً وأنها تنتهج منهج حركة فكرية شاملة الأنحاء وعميقة العلاقة وقوية التأثير أكبر من كونها حزباً سياسياً يتأثر بمُتغيرات المصالح السياسية وما يُصيبه من مد وجزر في شعبية وإلتفاف الجماهير حوله أو إبتعادهم عنه .

ويُمكن أن نُجمل مجموعة من المواقف والأحداث التي وقفتها وإتخذتها الحركة تجاه الكيان الإسرائيلي المحتل منها ..

1/ ضرب أرتال إستخبارات الكيان الصهيوني والموساد التي دخلت مع جيوش الإحتلال الأمريكي وحلفاءه بعد إحتلال العراق في نيسان 2003 ، حيث بدأت المخابرات الإسرائيلية منذ ذلك الحين بإتخاذ مقرات غير معلنة لهم في بغداد وبعض المحافظات وبدأت تتحرك بأرتال أمنية وعسكرية مموهة وهو الأمر الذي تنبهت له إستخبارات المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق فبدأت بجمع المعلومات الكافية عنهم وعن تحركاتهم ثم قامت بإستهداف أرتالهم وإصطيادهم رتلاً بعد آخر حتى تراجعت قدرتهم تماماً عن التحرك حتى في السيارات المصفحة التي كانوا يتحركون بها لأن أبطال المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق كانوا لهم بالمرصاد .

2/ التضييق على الكيان الإسرائيلي عندما شنت المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق في تموز عام 2006 هجمات صاروخية إستهدفت قواعد الإحتلال الأمريكي أدت إلى خسائر فادحة في صفوف المحتلين وذلك بهدف تخفيف الضغط عن أخوتهم في المقاومة الإسلامية حزب الله بلبنان الذين كان الكيان الإسرائيلي يشن عليهم حرباً ضروس بدعم الحكام العرب العملاء . فكانت هذه الخطوة مُهمة في مثل هذه الحرب لأنها تعني فتح جبهات جديدة من شأنها تخفيف الضغط على جبهة خط المقاومة والممانعة .

3/ فضح وتعرية حقيقة الكيان الإسرائيلي في أكثر من مُناسبة في أحاديث وكلمات الأمين العام للعصائب الشيخ قيس الخزعلي خلال المواجهة مع زمرة “داعش” التكفيرية حين وصفها بقوله : (إن العراقيين اليوم يعيشون خندقاً واحداً مع الفلسطينيين في مواجهة الصهاينة وأذنابهم من خوارج هذا العصر) .

وبمناسبة يوم القدس العالمي أوضح الشيخ الخزعلي بالقول : (إن القضية الفلسطينية لا تختص بالشعب الفلسطيني ، والشعب العراقي الآن يعيش الإستضعاف من قبل أذناب اليهود ، ولذا فإن نصرة الشعب الفلسطيني في يوم القدس في مثل هذا الظرف هو أكثر أهمية من أي مُناسبة أخرى لأن كِلا الشعبين قضيتهما واحدة) وبهذا القول فإن الشيخ الخزعلي يوضح طبيعة العلاقة المصيرية الواحدة بين الشعبين العراقي والفلسطيني وعدم إختصاصها بالفلسطينيين فقط بسبب آثارها وتداعياتها على المنطقة والعالم .

4/ زيارة الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي إلى الحدود اللبنانية الفلسطينية من جهة شمال فلسطين مع نائبه السيد مُحمّد الطباطبائي بالزي العسكري أمام (بوابة فاطمة) الحدودية بمدينة “كفركلا” مع فلسطين المحتلة من جهة الجنوب اللبناني خلال تسجيل مُصور يتحدث فيه الشيخ الخزعلي قائلاً : (نُعلن جهوزيتنا الكاملة في الوقوف صفاً واحداً مع الشعب اللبناني ، مع القضية الفلسطينية أمام الإحتلال الإسرائيلي) حدث ذلك بعد يومين فقط من قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في 6/كانون الأول/2017 بإعتبار القدس الشريف عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل سفارة بلاده إليها . وهو ما شكّل صدمة سياسية غير متوقعة على صعيد دول الإستكبار العالمية التي تجهز بحسب معطيات ومعلومات إلى حرب إقليمية كبيرة الهدف منها ضرب حزب الله اللبناني والقضاء عليه خلال عملية عسكرية يجري الإعداد لها منذ سنوات فإذا بهم يُشاهدون حليفاً أساسياً لحزب الله والرقم الأصعب والأهم في قيادة الحرب على “داعش” ومن وراءهم الشيخ قيس الخزعلي وهو يقف بلحمه ودمه على حدود كيانهم ليُعلن عن جهوزيته وكل من يلتزم بمنهجه للقتال “صفاً واحداً” مع حزب الله أمام أي إعتداء إسرائيلي قادم ، وطبعاً فإن إسرائيل وأمريكا ودول الإستكبار تعرف جيداً من هو قيس الخزعلي ليس من أيام الدفاع عن المقدسات في سوريا بل من أيام الإحتلال الأمريكي للعراق عندما سَبّب لهُم عُقدة نفسية حَرَمَتهُم من نشوة الحديث عن إستمرار وبقاء قوات الإحتلال في العراق بعدما ذاقوه على يد رجال العصائب بقيادة الخزعلي من عمليات نوعية صُنفت بأنها الأعقد على مُستوى الشرق الأوسط مثل عملية إقتحام مقر عمليات للإحتلال الأمريكي في كربلاء المقدسة وأسر من كان فيه من جنود الإحتلال وعملية إقتحام مكتب الجاسوس البريطاني “بيتر مور” داخل بناية تابعة لوزارة المالية ببغداد وأسره مع أربعة من مُرافقيه من جنود الإحتلال وعملية إسقاط المروحية لقادة من سلاح الجو البريطانيين وغيرها العشرات من العمليات التي خلقت الكوابيس في ذاكرة الإحتلال الأمريكي وحلفاءه .

وهذا التصريح للشيخ الخزعلي ورغم أنهُ تحدث بصفته الشخصية وليس بإسم العصائب وهو أمر لهُ أبعاد سياسية وتنظيمية مُهمة .

5/ الربط بين المواقف السياسية للإدارة الأمريكية وعلاقتها بمشاريع المنطقة سواء بمشاريع الإرهاب التكفيري أو بالكيان الصهيوني ومن ذلك إصرارهم على إبقاء وإدخال قوات عسكرية أمريكية في العراق بحجة محاربة الإرهاب وبقايا زمرة “داعش” فما كان من الأمين العام الشيخ قيس الخزعلي إلا فضح نوايا ودوافع وجود هذه القوات وفضح دوافع هذه الإدارات المتعاقبة في تحقيق وضمان أمن الكيان الصهيوني في المحصلة النهائية لمشاريعهم الخبيثة هذه ، وكذلك قرار الرئيس الأمريكي “ترامب” بالإعتراف سيادة الكيان الاسرائيلي على الجولان السوري المحتل حيث اعتبر الامين العام الشيخ الخزعلي هذا الموقف والقرار يندرج في سياق العمل على تسريع حلمهم في إقامة دولتهم من النيل إلى الفرات من منطلقات عقائدين صهيونية .

ويبدو أن كيان العدو الإسرائيلي يعلم جيداً بل يتابع بدقة متناهية وقلق بالغ ورعب شديد مواقف ونشاطات حركة عصائب أهل الحق وأمينها العام الشيخ قيس الخزعلي لسبب مُحدّد وهي إيمان الكيان الصهيوني بالنبوءات المتواترة بشأن دور العراقيين مُستقبلاً وفي عهد ظهور الإمام المهدي “ع” في القضاء على هذا الكيان اللقيط . (أليس الصبح بقريب) ..

التعليقات مغلقة.