الصادقون .. إنتصار سياسي بإمتياز

579

الصادقون .. إنتصار سياسي بإمتياز

بقلم / محمود الربيعي

ما أن اعلنت قوات الاحتلال الأمريكي إنسحابها من العراق هرباً من ضربات رجال المقاومة الاسلامية التي ألحقت بها خسائر فادحة وقتلت الآلاف من عَناصِرها وَدَمّرَت آلياتها وَمُعَدّاتها حتى إضطرتها إلى الإنصياع لإرادة العراقيين والرضوخ لإتفاقية الجلاء الكامل دون أن تبقي لها قاعدة عسكرية واحدة في العراق ودون أن تتمكن من تحصيل حصانة قانونية لأي عسكري أمريكي في العراق في أواخر عام 2011  ، ومع إكتمال إستقلال العراق وتحريره أعلنت حَرَكَة المُقاومة الإسلامية عَصائب أهل الحق  دخولها في العملية السياسية الجارية في العراق .

وَمَعَ أن قيادة عصائب أهل الحق لم تكُن مُشتركة قبل هذا التأريخ في العملية السياسية إلا أنها كانت تعلن وبشكل صريح أنها ليست ضد هذه العملية بل كانت حريصة على أن لا تكون ضدها مع إلتزام الحركة بالعمل المُقاوم المُستمر ، إلا أن الحسّ الوطني العالي كان يَجعلها تتسامى على التحديات والظروف المضطربة التي تمُر بها العملية السياسية التي كانت تعاني من تدخل سافر للإدارة الامريكية في كافة شؤونها ومفاصلها فقد أدركت قيادة الحركة أن العراق لا يمكن له أن يكون بلا عملية سياسية وقوانين وتشريعات تحفظ ما يمكن حفظه من النظام الإجتماعي الذي يَضُم في ثناياه النظام السياسي الذي يُمَثل دور القيادة داخل الدولة ، إنطلاقاً من إيمان الحركة بمَبدأ ضرورة سيادة الدولة والقانون .

وفي أوائل عام 2012 كان إعلان سماحة الأمين العام للحركة الشيخ قيس الخزعلي لوسائل الإعلام عن دخول حركة عصائب أهل الحق في العملية السياسية العرجاء وعن المَنهَج الذي تبنتهُ الحَرَكَة في العَمَل السياسي الهادف لإحداث إصلاحات حَقيقية في مَسار العملية لغرض إنقاذها من دائرة الفساد والفشل التي وقعت فيها مُنذ نشأتها بعد 2003 ,

وكانت المشاركة الأولى لحركة عصائب أهل الحق في إنتخابات مجلس النواب العراقي عام 2014 إذ دخلت بقائمة مُنفردة وَحَصَلت على مَقعَدٍ لها ، وقد تعرضت هذه المشاركة إلى الكثير من المَصاعِب تَجَلّت في إستهداف مَهرجانها الإنتخابي الكبير من قبل زُمر الإرهاب والتكفير بسيارة مُفَخّخَة في نيسان 2014 والذي أسفر عن سقوط عدد من الشُهداء والجرحى كان من بينِهِم أحد مُرَشّحي القائمة .

وإستمرت الحركة بالعمل السياسي من خلال تَحَرّكات أمينها العام والمكتب السياسي طوال السنوات الماضية وهو ما كان لهُ دوراً حيوياً مُهماً في الدفاع عن قضايا البلد والمُجتمع ، وكان الدور الأبرز في مرحلة الحرب على داعش من خلال المشاركة الفاعلة للحركة ودورها الذي شَهِدَ لَهُ القاصي والداني وإعترَفَ بِهِ العَدوّ قبل الصَديق وَهو دَورٌ لا يَسَعَهُ الحدَيث في هذه الكَلِمات المَحدودة .

وَمَعَ تحقيق الإنتصار العَسكَري على “داعش” كان إنطلاق الحركة لتأسيس تحالف سياسي ضم مُعظم الحركات والمنظمات والفصائل التي لها تمثيل سياسي رسمي بعد إقرار قانون الأحزاب السياسية وكان (تحالف الفتح) ثمرة سياسية لجهود كبيرة بُذلت من قيادة الحركة وتمكّن التحالف من الحصول على 47 مقعداً في الإنتخابات النيابية التي جرت في 12 آيار 2018 كان نصيب حركة عصائب أهل الحق بجناحها السياسي (الصادقون) 15 مقعداً منها وقد مَثل ذلك إنتصاراً سياسياً نوعياً قفز بِهِ التمثيل البرلماني للحركة قفزة كبيرة أثارت الإعجاب وإستحقت الثناء والتقدير ، كما أنها أثارت حفيظة المعادين لخط المقاومة الذين توَجّسوا خيفة من هذا الإنتصار .

وبحساب الأرقام وقياساً بالجهد المتميز الذي بذلته قيادات الحركة وكوادرها وأفرادها وأنصارها فقد كان بالإمكان أن يرتفع عدد هذه المقاعد إلى عشرين مَقعداً ولكن طبيعة الإنتخابات وَنظامها الإنتخابي المعروف بـ(سانت ليغو) حَرَمَ عَدَد من مُرشحينا من الفوز ولعل أبرزهم المُرشح الأستاذ عُدي الخدران عن مُحافظة ديالى الذي جاوزت أصواته 16 ألف صوت في مُحافظة ديالى وكذلك المرشح الأستاذ عبد المهدي الخفاجي في مُحافظة كربلاء المقدسة إضافة الى المرشح ناظم الحطاب في مُحافظة ميسان اللذان كانا قريبين جداً من الفوز ، إضافة إلى ما حَققتهُ مُرشّحَة الحَركة عن محافظة واسط السيدة محاسن خيري التي حَصَدَت أعلى أصوات النساء وَحَرَمَها النظام الإنتخابي من فوز أكيد ، كما أن ما شَهَدَتهُ مُحافظتا كركوك ونينوى من خروقات إنتخابية كبيرة كان حائلاً أمام حصول مُرشحي الحركة على مقاعد مُستحقة .

وبقراءة تفصيلية للمُنجز فإن الحركة وقياساً للمكانة الكبيرة التي شغلتها في عقول وقلوب العراقيين بسبب دورها الرائع في تحقيق الانتصار العسكري على زُمَر داعش التكفيرية والذي تَكلّل بعَطاء كبير قدّمَت فيه الحركة قرابة ألف شَهيد من خيرة قادتها ورجالها الأفذاذ والذين توضأت بدمائهم الطاهرة الزاكية أرض العراق وهي تُصلي صلاة التحرير والخلاص من دنس الإرهاب والتكفير  ، إضافة إلى الأداء الوطني المُتميز والشُجاع والصادق الذي قدّمه قادة الحركة وفي مُقدمَتِهِم سَماحَة الأمين العام للحركة الشيخ المجاهد قيس الخزعلي “نصره الله” والذي كان حاضراً طوال السنوات الماضية في كُل الميادين التي كان العراقيون يتطلعون فيها إلى من يَحمِل همومهم ويُدافع عن حقوقهم ، وقد كان لهُ الوقفات المشهودة في كُل المحافل والتي تكللت بعودة كركوك ومناطق العيش المُشترك إلى حضن الوطن من جديد .

وإذا كانت الإنتخابات هي المُعبّر الواضح عن إرادة الناس فقد كان العزوف عن المشاركة فيها مؤشراً واضحاً عن السَخَط الشّعبي الذي تَصاعَد بعامِلَين أساسيين أوَلَهُما كان الأداء الحكومي والبرلماني طوال السنوات الماضية والذي أغرق البلاد في دوامة الفشل والإخفاق بفِعلِ إنتشار وباء الفساد المالي والإداري في مُعظم مؤسّسات الدولة التي ظَهَرَت عاجزة عن تلبية طموح المواطنين وَلَم تَتَمَكّن مَن أداء واجباتها في مختلف مجالات الحياة ، وإذا كانت المُحاصصة الحزبية والطائفية التي أنتجت إقطاعيات سياسية بسبب طبيعة النظام السياسي فإن العامل الثاني الذي تسبب بالعزوف كان الحملات الإعلامية المُنظمة التي كانت تهدف لضرب العملية الانتخابية والتي أثّرَت عَلى ذهاب الكثير من العراقيين إلى الإنتخابات ، وَمَعَ هذا كُلّه فقد تَمَكّن (الصادقون) من تحقيق نصر سياسي مُتمَيّز يَفرُض عَلى الحَرَكة إستحقاقات كبيرة ستَسعى لها بكُل إمكاناتها وقدراتها وطاقاتها من أجل أن تحقق الآمال المعقودة على الحركة من أنصارها وَمُحبيها ومن كافة أبناء الشعب العراقي الذين إستبشروا خيرا بنتائج الصادقون وَهُم يَعرفون بشَكلٍ جَيّد مَدى حِرص مُمثليها على أداء دور فاعل ومؤثر يُسهِم في إعادة ثقة العراقيين بأنفُسهم وبقياداتهم من خلال ما عُرف عَنهُم من شَجاعَة وَصِدق وإخلاص وَكَفاءَة ، نأمل أن تُسهِم في تحقيق إصلاح حقيقي يَحفظ سيادة الدولة العراقية وَهَيبَتها وَيَضمِن تقديم الخَدَمات وَيُحسِن الأوضاع الإقتصادية بما يَنعَكِس إيجابياً على الوطن والمواطن وبما يُحاكي القدرة الفائقة التي قدّمها رجال الحركة حين تَصَدّوا من قبل للإحتلال الغاشم وَمِن بَعدِهِ لزُمَر الإرهاب والتكفير إضافة إلى ما عَرَفَتهُ مُدُن وَمُحافظات العراق من إسهامات خيّرة للحَرَكَة في مجالات مُتَعَدّدة لعل أبرَزها  الحملات المُستمرة التي يَقوم بها (أخوة زينب) في التطوع لتقديم الخدمات في حملات ترميم المدارس والمراكز الصحية والمُستشفيات والشوارع العامة في بغداد والمحافظات .

الإنجاز الذي تحقق للصادقون مُتمَيّز وكبير والآمال المعقودة عليهم ستبقى أكبر فَهُم أبناء العراق وَلَن يَدّخروا جُهداً لبِنائِهِ كما لَم يَبخلوا عليه من قبل بدماء خيرَة رِجالِه .

التعليقات مغلقة.