الشرق الأوسط والتأهيل الأمريكي لبريطانيا

405

الشرق الأوسط والتأهيل الأمريكي لبريطانيا

بقلم / ماجد الشويلي

يبدو أن الولايات المتحدة تفكر جدياً بمُغادرة الشرق الأوسط مصوبة وجهها نحو الصين للحد من تنامي نفوذها المضطرد وتفاقم قدراتها الإقتصادية والعسكرية والسياسية في العالم.
فالصين التي ترفض العودة لبيت الطاعة الامريكية باتت وكأنها على إستعداد لمواجهة امريكا على الصعد كافة . بل وكأنها قد وطنت نفسها على مواجهة حتمية أعدت لها ما يكفي من لوازم الإقتدار وتحقيق الظفر  .
فتمردها على قرار المحكمة الدولية الخاص ببحر جنوب الصين الذي يشهد نزاعات حادة بينها وبين حلفاء الولايات المتحدة التي تشاطئها فيه يُنذر بوقوع حرب دولية كبرى هناك لأهمية هذا الموقع كممر مائي حساس تتجاوز قيمة البضائع التي تمر عبره سنويا ال5.3 تيرليون دولار فضلا عما يزخر به باطنه من ثروات نفطية هائلة .
فقد حدث أن إقتربت المدمرات الصينية من البارجات الأمريكية لمسافات قريبة لأكثر من مرة الأمر الذي أعدته أمريكا إستفزازاً وتحرّشاً عسكرياً  .
ولم تخف الصين هذا الحنق الذي يعتلج بصدرها حين صرح الأميرال الصيني “لو يوان” ((اغرقوا حاملتي طائرات أمريكيتين وستنتهي مُشكلة بحر الصين الجنوبي((
لكن المشكلة لدى الولايات المتحدة الامريكية وهي لا تتعلق بعجزها عن مواجهة الصين فحسب وإن كانت تجد صعوبة في مجاراتها على المستوى الاقتصادي ، إلا أنها تكمُن في التحدي والصعوبة الحقيقية بعدم قدرتها على مُغادرة الشرق الاوسط  لجملة من التعقيدات اهمها ؛
وجود إسرائيل الملزمة بحماية أمنها وإستقرارها وضمان تفوقها الإقليمي على سائر البلدان المحيطة بها ، فما من رئيس أميركي يُمكن لهُ أن يطأ البيت الابيض إلا وعليه أن يؤدي فروض الطاعة للصهاينة سواء في الداخل الاميركي أم في إسرائيل .
وهناك إيران الجمهورية الإسلامية ذات الاذرع القوية والنظام السياسي القائم على اساس احياء القيم الدينية ورص صفوف المسلمين وتعزيز قدراتهم في مواجهة اسرائيل والغرب الطامع بنهب خيرات المنطقة .
ايران هذه التي اظهرت تفوقا لافتاً على الولايات المتحدة في الملفات الدبلوماسية وحتى العسكرية حينما اسقطت طائرة التجسس الاكثر تطورا في العالم . لها القدرة على ازالة إسرائيل بل وان مشروعها قائم على هذه العقيدة بمجرد ان تخرج اميركا من المنطقة.
ناهيك عن وجود روسيا الاتحادية قريبا من محيط حلبة الصراع الازلي هذه
فكيف يُمكن لنا ان نتصور بأن أميركا ستخطو خطوة إنسحابها من المنطقة بهذه السهولة .
لكن يظهر أنها مُتحيرة بين أمرين أحلاهُما مُر ؛ بين أن تترك إسرائيل لوحدها في مُجابهة ايران وحلفائها وتتفرغ لمواجهة الصين وبين ان تتغافل عن التغول الصيني وهو يقضم مكانتها وقدراتها كافة  !!
لذا فقد بادرت الولايات المتحدة لوضع خطة اجهاض توسع الصين التي أعلن الرئيس الأميركي أنها ستنتهي عام 2022 وقد تتضمن مواجهة عسكرية شاملة او جزئية ، وإلى ذلك الحين سعت الولايات الأميركية لإيجاد حل وسط  يتمثل بإعادة تأهيل بريطانيا للعودة إلى الشرق الأوسط من جديد ، فتقسيمات المنطقة الجغرافية هي من هندسة البريطانيين والكيان الغاصب هُم من زَرَعوه . وهم اكثر خبرة واطول نفسا بالتعاطي مع تناقضات المنطقة .
عملية التأهيل هذه تستلزم اول ماتستلزمه هو خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي وهذا ما كان يروج له ترامب في حملته الانتخابية حين قال بان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي سيكون أمراً (رائعاً)
وهو ما أكّدهُ السفير الأميركي في بريطانيا وودي جونسون حين قال (خروج بريطانيا من الإتحاد الاوربي سيكون أمراً رائعاً)
فبريطانيا توجد فيها طبقة سياسية لا زالوا يعتقدون بانها دولة عظمى وانها تراجعت بسب التحاقها بالاتحاد الاوربي .
كما ان لبريطانيا علاقات عقائدية وسياسية واقتصادية عميقة جداً مع أمريكا
واما عن علاقة البريطانيين بإسرائيل فحدّث ولا حرج ، فيكفيك أن بريطانيا ترفض الى اليوم تقديم إعتذار رسمي للفلسطينيين والعرب عن وعد بلفور وحينما إعتدت اسرائيل على غزة كان رئيس الوزراء البريطاني كاميرون يقول ((إنهُ دفاع عن النفس))
يبقى أمراً واحداً هو أن على بريطانيا أن تدفع فاتورة ب 39 مليار جنيه إسترليني .
وقد تكون السعودية مع بعض الدول العربية مُستعدة لتوفير هذا المبلغ في إطار صفقة ما .

إن ما يُعزز نظرتنا هذه هو مجيء رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونس” من تلك الطبقة السياسية البريطانية التي تؤمن بأن بريطانيا لا زالت عُظمى  .
ولا أظن أن إختيار “جونسون” بهذا الشبه الكبير مع ترامب بالشكل والمضمون جاء إعتباطياً وإنما قد تكون لهُ رسالة مفادها أن امريكا وبريطانيا تحكمهما عقلية واحدة !!
ولعل إحتجاز بريطانيا لناقلة النفط الايرانية وعودة بارجاتها الحربية للإبحار قرب مضيق هرمز هو عملية تدشين لهذه العودة .
لكنها كانت عودة مُخيبة لآمال امريكا وبريطانيا وحلفائهما حينما إصطدما بالإرادة الصلبة لإيران التي أجهضت هذا المشروع في بواكيره .
وكأنها تقول لبريطانيا لو كانت إيران الخميني موجودة عام 1916لما تمكنتي من تقسيم المنطقة ولما كان هناك وعد بلفور ولا إسرائيل .
وكأني بايران تقول لبريطانيا أيضاً (عذراً أيتها العجوز الشمطاء .. فترامب ليس يوسف “ع” لكي يُعيدك لشبابك كما اعاد يوسف زليخا لشبابها) ..

التعليقات مغلقة.