النجفي المغوار .. الشهيد القائد مكي رزاق الجمالي

1٬471

النَجَفيّ المغوار الشّهيد القائِد مكي الجمالي (أبو صديقة)

بقلم / أحمد رضا المؤمن

ولادته ونشأته :

ولد الشهيد مكي رزاق مُحمّد غياض الجمّالي الشمري في عاصمة المقاومة الإسلامية مدينة النجف الأشرف في 1/شباط/1972 ونشأ وَترَعرَعَ فيها ونَهَل من عاداتها وتقاليدها العَلَويّة الأصيلة ، وبدأ حياة العمل باكراً مع أقرباءه في الحي الصناعي في النجف الأشرف فأصبح شيئاً فشيئاً من المبدعين في فنون تقنيات صيانة كهربائيات السيارات فأصبح لديه فيما بعد شُهرة كبيرة في هذا المجال ، كما أنهُ إتخذ من عَمَلهُ هذا غطاءً لعمله الجهادي المقاوم يُبعد به أنظار جلاوزة البعث الصدامي وعُملاء الإحتلال عن تحركاته .

دراسته وتحصيله العلمي :

رغم أن الشهيد مَكّي الجمالي لم يستطع إكمال دراسته الأكاديمية أكثر من إنهاءه الدراسة الإعدادية الصناعية بسبب ظروفه الحياتية وإلتزاماته الجهادية إلا أن طموحه في طلب العلم لم يمنعه من إكمال الدراسة لاحقاً فدخل في الكلية الإسلامية الجامعة في النجف الأشرف فحصل منها على البكالوريوس في الدراسات القرآنية واللغوية بتقدير (جيّد جداً) بتأريخ 2/تموز/2011 .

أخلاقه وصفاته :

كُل من رافق الشهيد مكي الجمالي يشهد لهُ بصفات وأخلاق فريدة تميز بها وبقيت في نفوس مُحبيه ومُريديه وأصدقاءه وأقرباءه وتأثروا بها كثيراً ، كان الشهيد الجمالي كريم النفس ، مُتواضع ، عزيز النفس ، أبيُّ الضّيم ، شديد التكتّم والسرّية في تحركاته وأعماله حتى أن الكثير من أبناء النجف الأشرف أصيب بالصدمة والدهشة عندما علموا بنبأ إستشهاده لأنهُم يعرفونه صديقاً وأخاً وقريباً مُتواضعاً يجلس مجالسهُم ويُشاركهُم همومَهُم وَيَسعَى لقضاء حوائجهم دون أن يَشعُروا حتى إستشهاده أنهُ قائدٌ كبير من قادة المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق .

كان يُقدم المساعدات والإحسان للكثير من العوائل المتعفّفة دون أن يَعلم أحدٌ بذلك حتى إستشهاده فأحس أقرباءه بذلك بعد أن أخذت عدة عوائل تسأل عن مصدر المساعدات التي كانت تصلهُم مِنه .

عُرف عنه إهتمامه الشديد بزيارة مرقد الإمام أمير المؤمنين “ع” كل يوم أحد ولم يكُن يرضى لمن يؤدي معهُ الزيارة بالحديث عن أي موضوع دنيوي أثناء الزيارة ويُطالبهم بالإنقطاع إلى الله تعالى والتأدب بآداب الزيارة .

ويروي أخوانه في المقاومة أنهُ كثيراً ما كان يختار كربلاء المقدسة مكاناً لإجتماعاته ولقاءاته معهُم لكي تتاح لهُ ولهُم فرصة زيارة الإمام الحسين “ع” وأخيه أبا الفضل العباس “ع” كما كان يطالبهم بأن تكون زيارتهم جماعية لزيادة الأجر .

يصفهُ قائد كبير في الجسم العسكري العصائبي بأنهُ كان (ذو شخصية أساسية ومُميزة ومُبدعة ولا سيما في مجال الهندسة العسكرية ولهُ أثره الواضح في الجانب الهندسي وخصوصاً في أيام الإحتلال الأمريكي) .

كما أن كُل من عرف الشهيد مكي الجمالي من معارفه وأخوانه المقاومين يعرف صفة التكتم والسرية الشديدة التي كان يُجيدها فكان قلبهُ وفكره خزينة مليئة بالأسرار الخطيرة التي حافظ عليها بأمانة .

ومما لا يعرفه عنهُ الكثير أنهُ كان ذو ثقافة وإطلاع واسع رغم كُل مشاغله وطبيعة عمله المقاوم ، وتشهد لهُ بذلك بحوثه القرآنية وكتاباته وحتى القصائد الشعرية المخطوطة التي كان ينظمها في مُختلف المواضيع والمُناسبات .

كان رضوان الله عليه عميق الفكر ، صادق في القول والفعل ، حازم في مواقفه ، بالغ الدقة في حركاته وسكناته ، فكان لا يهدأ لهُ بال إلا عندما يُشارك أو يُشرف بنفسه على تنفيذ ما يُخطط لهُ من عمليات عسكرية .

وكثيراً ما كان الشهيد أبو صديقة يُحذر أخوانه في المقاومة عقب كُل إنتصار من الوقوع في فخ نشوة فرح الإنتصار ويُذكرهم بأن أي إنتصار يتحقق إنما هو بفضل الله تعالى ومنّه . كما كان يُحذرهم أيضاً من تسلل الأمراض النفسية التي تفسد ثواب العمل الجهادي مثل التفاخر بالشجاعة والقوة والإستهانة بجهود وإمكانات الآخرين ، ولم يستهين الشهيد مكي الجمالي يوماً بأي جُهد مُقاوم بل كان يُردّد دائماً مُخاطباً أخوانه المجاهدين : (لا تستهينوا بأي جُهد يصُب في دعم العمل المقاوم مهما كان نوعه ، وجرى الله خيراً كُل من يدعم المقاومة في أي شيء ما دامت نيته خالصة لله تعالى) .

كان باراً بوالديه ويأبى إلا أن يُنفق ممّا دَخَله في مصرف والده على أهله ، وعندما كانت تزوره والدته في السجن كان يطلُب منها أن لا تزوره لأنهُ يُريد أن يشق عليها عناء الوصول إليه . وعندما كان يدخل إلى بيت أهله يبحث بشغف عن أمه وكأنه قد فارقها منذ زمن طويل .

عرفه الجميع بكرمه وحبه للضيوف ، فكان يفرح بقدوم الضيوف ويقول إن الله تعالى يبعث البركة قبل وصول الضيف .

جهاده وبطولاته :

بدأ الشهيد مكي الجمالي مشواره الجهادي مُنذُ نعومة أظفاره من خلال مُشاركته أسرته في مُعارضة سياسات نظام الطاغية المُجرم صدام الهدام وكانت لهُ مُشاركة فعالة في الإنتفاضةالشعبانية المباركة عام 1411 / 1991م حين كان بسن (19) عاماً فقاتل مع ثوار الإنتفاضةالشعبانية وقاتل مع كريم شدهان وصاحبه خلال الإنتفاضة ورابط مع ثوار الإنتفاضة في سيطرة أقامها ثوار النجف قرب حي العلماء أطلقوا عليها تسمية سيطرة (المرمّل بالدماء) .

وكان من أوائل المشاركين في الإنتفاضة مُنذ اللحظات الأولى لإنطلاقتها حيث كان مُتواجداً في مدخل شارع المدينة المنورة مع المجاهد “سَعَد حبتير” والمجاهد “هادي أبو جورج” وقاموا بالهجوم على مركز الغري ثم توجهوا إلى ديوان المحافظة وهُناك تمكنوا من كسر أقفال سجن سري خرج منه مساجين من طوامير كانت تحت الأرض وأخرجوا منها قرابة 20 عشرون سجيناً عليهم آثار التعذيب والأمراض بسبب طول فترة السجن .

ولم تقتصر مُشاركته القتال مع الثوار في النجف بل ذهب للقتال ضد أزلام الجيش الصدامي القادم للهجوم على كربلاء المقدسة فقاتل هناك قتالاً شديداً ولم يخرج من كربلاء إلا بعد أن دخلت دبابات الجيش الصدامي وأحكمت سيطرتها بالأسلحة الثقيلة والطيران المروحي فعاد إلى النجف وقاتل مع الشهيد عادل الوائلي بعد أن حدثت مواجهة بينهُم وبين دبابات الحرس الجمهوري الصدامي المتجهة نحو مرقد أمير المؤمنين “ع” حتى أصيب بقدمه اليُمنى بشظية فتم نقله للعلاج في مُستشفى السماوة ثُم تم نقلهُ سراً إلى أحد البيوت في بغداد بعد أن أُجهظت الإنتفاضة .

وبحُكم خبراته في المجال التقني فقد كان لهُ الدور الأساس في تأسيس وإنطلاق بث إذاعة الإنتفاضة من صحن العتبة العلوية المقدسة .

ثائر لا يهدأ ..

لم يهدأ للشهيد مكي الجمالي بال ولم يَستَكين أمام جَبَروت الظالمين فلَم يُطق الخدمة العسكرية آنذاك لأنهُ كان يَرى فيها إستعباداً من نظام الطاغية صدام فقرّر الهَرَب مِن هذه العبودية وكانت وَجهَتَهُ للهروب هي الأهوار وَهُناك تمَكّن من التواصل مَعَ الثوار في المُعارَضة الإسلامية ثم سلّم نفسه إلى الشيخ كريم ماهود وبعد مُدة حاول الخروج من العراق إلا أنهُ عاد إلى النجف فكان أزلام النظام يتعقبونه فتم إعتقاله وَسَجنَهُ وَتعذيبه وبقي مُعتقلاً في سجن “بادوش” في الموصل أكثر من ستة أشهر .

ولم ينتهي الأمر إلى هذا الحد مع هذا الثائر النجفيّ المغوار الذي لا يعرف الهدوء ، فقد كان مُشاركاً مع مجموعة الشهيد الثائر الشيخ حيدر العابدي في (عملية ساعة الصفر) في النجف الأشرف التي إستهدفت نظام صدام الهدام والتي فشلت وتم إعدام مُعظم المشتركين فيها ولولا جهل مُخابرات نظام صدام بالإسم الحقيقي للشهيد مَكّي الجمالي لكان في عداد الشهداء في هذه المجموعة الجهادية البطلة حيث كان حينها معروفاً ومشهوراً بين الناس بإسم (السحك إبنه) نسبة لحادثة أليمة حصلت لهُ في وقت سابق فكان في هذه التسمية نجاته وخلاصه من قبضة الظالمين .

ومثل هذه القضية ما قام به الشهيد الجمّالي مع مجموعة الشهيد حيدر العابدي عام 2000م عندما كان يستعد لتنظيم إحتفالية ضخمة في النجف بمناسبة ما يُسمى (يوم النجف) الموافق 19 شباط من خلال نشر مظاهر الفرح والزينة في شوارع واحياء النجف ، وهو نفس اليوم الذي حدثت فيه جريمة إغتيال الشهيد الصدر ونجليه ، فما كان من الشهيد مكي الجمالي وَبَعض أصدقاءه الثقاة إلا أن يَطبع عَشرات المنشورات والرسائل مع التسجيلات الصوتية التي تتضمن الوعيد والتهديد وأرسلها إلى المجرم المقبور مُحمّد حمزة الزبيدي عضو القيادة القطرية لحزب البعث المباد وكبار القيادات البعثية والأمنية المُجتمعين في النجف حينها ، بالإضافة إلى قيامه بصناعة عبوات وقنابل وَوَضَعها قرب مَنازل وَأماكن عَمَل هؤلاء البعثيين فكانت الرسالة واضحَة وَمؤثرة فألغيت الإحتفالية هذه ببركة وشجاعة جهاد هذه الثلّة المؤمنة .

العلاقة مع مرجعية الشهيد الصدر “رض” :

ما أن تعرّف الشهيد مكي الجمالي على مَرجعية شهيد الجمعة السيد مُحمّد الصّدر “رض” حتى تعلق بأطرافها وذاب في فكرها الثوري الإصلاحي فحَضَر صلاة الجمعة التي أقامها الشهيد الصدر في مسجد الكوفة المعظم وسعى لنُصرة هذه المرجعية الرسالية الحركية وإطروحاتها المباركة . وأصبح الشهيد الصدر أملاً له في تحقيق العدالة في زمن تكالب فيه الظالمون بظلمهم على العراق .

كان الشهيد مكي الجمالي يرى في الشهيد الصدر الثاني إمتداداً لرسالة الشهيد الصدر الأول العلمية والأخلاقية والجهادية فكان يردد دائماً (إن مشيئة الله تعالى أن يَستَمر الخط الرسالي دون إنقطاع ، فعندما توفي السيّد الخُميني ظهر السيد الخامنئي ، وعندما إستشهد السيّد الصّدر الأول جاء الشهيد الصّدر الثاني وهكذا ..) .

تأثر كثيراً بشخصية السيد الشهيد الصدر وذاب في حُبه والإخلاص إليه فكان يحرص مع مجموعة من الشباب على اللحاق بالشهيد الصدر لحمايته ولكن الشهيد الصدر كان ينهاهم ويطلب منهم أن لا يمنعوه شرف الفوز بالشهادة فكان يلاحقه للصلاة خلفه في مرقد أمير المؤمنين “ع” وفي مسجد الكوفة المعظم في صلاة الجمعة حيث كان يصدح صوته عالياً بالصلاة على محمد وآل محمد خلال خطب الشهيد الصدر ليرعب بها قلوب زبانية الأمن والمخابرات التي كانت تحيط بالمصلين .

وعندما عَلِمَ بنبأ إستشهاده “رض” وقع الأمر كالصاعقة على رأسه فأسرع فوراً إلى مكان جريمة إطلاق النار عليه في حي الحنانة ثم توجّه إلى المستشفى الذي نُقل الشهيد الصدر إليه وحاول الدخول دون جدوى حتى بعد أن تشاجر مع بعض العناصر الأمنية البعثية التي كانت تطوق المستشفى ، وحتى بعد أن قام بمُحاولة التمثيل بأنهُ مَريض بحالة حَرجَة تستدعي الدخول للمُستشفى ولكن دون فائدة فما كان منهُ إلا أن يَتشاجر مَعَ أزلام البعث المُكلفين بتطويق المستشفى وَمنع الدخول إليه وعندما هَدّدَهُ أحدهم بالإعتقال صَرَخَ الشهيد الجمالي : (لا حَياة بَعدَ مُحمّد الصّدر) .

وبعد دَفن الشهيد الصدر كان يَعود إلى البيت وَيَفترش صوَرَهُ “رض” وَيَقضي وَقتَهُ بالبُكاء والألم لفُقدان هذا المرجع المجاهد العارف وَبَقي لفترة لا يَقرَب الأكل لهذا السبب ، وَرَغم أن قبر الشّهيد الصّدر كان مُحاصراً من البعثيين الأرجاس إلا أنهُ كان يَبتَدع كُل الطرق التي تمَكّنهُ من أداء الزيارة للمرقد الشريف ، وَبَينَما كان يؤدي الزيارة ذات يَوم مَع أخوه الأصغر أحسّ بخوفه من الإنتشار الأمني والعسكري الكثيف من البعثيين فخاطبه قائلاً : لا تخف من هؤلاء الكلاب فالمؤمن لا يخاف الكلاب .

العلاقة مع مرجعية الشهيد الصدر “رض” :

ما أن تعرّف الشهيد مكي الجمالي على مَرجعية شهيد الجمعة السيد مُحمّد الصّدر “رض” حتى تعلق بأطرافها وذاب في فكرها الثوري الإصلاحي فحَضَر صلاة الجمعة التي أقامها الشهيد الصدر في مسجد الكوفة المعظم وسعى لنُصرة هذه المرجعية الرسالية الحركية وإطروحاتها المباركة . وأصبح الشهيد الصدر أملاً له في تحقيق العدالة في زمن تكالب فيه الظالمون بظلمهم على العراق .

كان الشهيد مكي الجمالي يرى في الشهيد الصدر الثاني إمتداداً لرسالة الشهيد الصدر الأول العلمية والأخلاقية والجهادية فكان يردد دائماً (إن مشيئة الله تعالى أن يَستَمر الخط الرسالي دون إنقطاع ، فعندما توفي السيّد الخُميني ظهر السيد الخامنئي ، وعندما إستشهد السيّد الصّدر الأول جاء الشهيد الصّدر الثاني وهكذا ..) .

تأثر كثيراً بشخصية السيد الشهيد الصدر وذاب في حُبه والإخلاص إليه فكان يحرص مع مجموعة من الشباب على اللحاق بالشهيد الصدر لحمايته ولكن الشهيد الصدر كان ينهاهم ويطلب منهم أن لا يمنعوه شرف الفوز بالشهادة فكان يلاحقه للصلاة خلفه في مرقد أمير المؤمنين “ع” وفي مسجد الكوفة المعظم في صلاة الجمعة حيث كان يصدح صوته عالياً بالصلاة على محمد وآل محمد خلال خطب الشهيد الصدر ليرعب بها قلوب زبانية الأمن والمخابرات التي كانت تحيط بالمصلين .

وعندما عَلِمَ بنبأ إستشهاده “رض” وقع الأمر كالصاعقة على رأسه فأسرع فوراً إلى مكان جريمة إطلاق النار عليه في حي الحنانة ثم توجّه إلى المستشفى الذي نُقل الشهيد الصدر إليه وحاول الدخول دون جدوى حتى بعد أن تشاجر مع بعض العناصر الأمنية البعثية التي كانت تطوق المستشفى ، وحتى بعد أن قام بمُحاولة التمثيل بأنهُ مَريض بحالة حَرجَة تستدعي الدخول للمُستشفى ولكن دون فائدة فما كان منهُ إلا أن يَتشاجر مَعَ أزلام البعث المُكلفين بتطويق المستشفى وَمنع الدخول إليه وعندما هَدّدَهُ أحدهم بالإعتقال صَرَخَ الشهيد الجمالي : (لا حَياة بَعدَ مُحمّد الصّدر) .

وبعد دَفن الشهيد الصدر كان يَعود إلى البيت وَيَفترش صوَرَهُ “رض” وَيَقضي وَقتَهُ بالبُكاء والألم لفُقدان هذا المرجع المجاهد العارف وَبَقي لفترة لا يَقرَب الأكل لهذا السبب ، وَرَغم أن قبر الشّهيد الصّدر كان مُحاصراً من البعثيين الأرجاس إلا أنهُ كان يَبتَدع كُل الطرق التي تمَكّنهُ من أداء الزيارة للمرقد الشريف ، وَبَينَما كان يؤدي الزيارة ذات يَوم مَع أخوه الأصغر أحسّ بخوفه من الإنتشار الأمني والعسكري الكثيف من البعثيين فخاطبه قائلاً : لا تخف من هؤلاء الكلاب فالمؤمن لا يخاف الكلاب .

مُقاومته للإحتلال الأمريكي :

لَم يَنسى الشهيد مَكّي الجمالي المدرَسَة الصّدريّة التي تربى وَتَرَعرَع على مبادئها ونشأ على إطروحاتها في خُطب الجمعة وغيرها من رَفض وَمُقاوَمَة لكُل أشكال الظلم والفساد والإنحراف . فكان وجود الإحتلال الأمريكي يَدُق عليه ناقوس الغيرة العَلَويّة التي تأبى جثوم قوات الإحتلال وهي تَسرَح وَتَمرَح في أرض الوطن .

فَبَعد دخول الإحتلال الأمريكي بثلاثة أشهُر سافر الجَمّالي إلى الجمهورية الإسلامية في إيران لزيارة الإمام الرضا “ع” وخلال سَفَرِه هذا زار المرجع آية الله العظمى السيّد كاظم الحُسيني الحائري وَسَألهُ عن بعض الأمور ومنها الموقف من الإحتلال فأجابهُ بما مَضمونَهُ أن الوجود الأمريكي في العراق هو تهديد للدين والمذهب .

وفي إنتفاضة النجف الأشرف المهدوية الأولى والثانية سنة 2004م كان حينها مسؤول كتيبة تضُم أربعة سرايا وذلك بعد أن إستخار الله تعالى عندما زار الإمام الحسين “ع” وكان من أخلاقه خلال هذه الإنتفاضة حرصه الشديد على حماية دكاكين ومخازن سوق النجف الكبير وصيانتها والتأكد من إقفالها لأنهُ كان يرى بأن أي خلل أو تقصير في حماية هذا السوق والذي يضُم محال ومراكز إقتصادية مُهمّة سيؤدي إلى تشويه صورة المقاومة والمقاومين ومُساعدة المحتل على تأليب المجتمع ضد المقاومين وتسهيل إتهامهم والإساءة إليهم .

وخلال الإنتفاضة الأولى كان يوصي أخوانه الثوار بالخروج والتحرك من الصحن الحيدري على شكل مجموعات لإيصال رسالة القوة والرُعب في قلوب المحتلين وليعلموا بأن مركَز قوّة الثوار تكمُن في مرقد أمير المؤمنين “ع” فلا يَجرأوا على المساس بهِ أو الإقتراب منه ، وعندما حَصَل إتفاق التهدئة الذي دام لأيام مَعدودة لَم يوافق على الإنسحاب والخروج من المدينة القديمة لأنهُ كان لا يَثق بمواقف المُحتل وَعُملاءه وَسُرعان أن بدأ هجوم كبير مرة أخرى من الإحتلال نحو المدينة القديمة ، فما كان منه إلا الصمود والإستبسال دفاعاً عن حُرمة مرقد الإمام أمير المؤمنين “ع” وتولّى حينها مُقاومة الإحتلال الأمريكي من الجهة الجنوبية للمدينة القديمة (قاطع الجمهورية) يَتَصَيّد كلاب الإحتلال كما كان يَصِفَهُم ببندقيته القناص الـ(دراغانوف) .

وبعد إنتهاء الإنتفاضة إنخرط مع (المجاميع الخاصة) والتي تغيّر إسمها لاحقاً إلى المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق فمارس فيها مُختلف أصناف المقاومة العسكرية ضد الإحتلال الأمريكي في مُحافظة النجف الأشرف ومُنذ ذلك الحين أصبح إسمهُ الحركي الجهادي (أبو صدّيقة) ، وبسبب كفاءته وجدارته في أداء واجبه الجهادي وبطولته في تنفيذ العمليات ضد الإحتلال الأمريكي أسندت لهُ عدة مسؤوليات تدرّج فيها حتى أصبح مسؤول الجُهد الهندسي للعصائب في كُل العراق . فكانت بداياته ضمن كادر منطقة الوسط وبدأ كمسؤول في الهندسة العسكرية في مُحافظة النجف الأشرف ضمن منطقة الوسط ثم مسؤول الهندسة على منطقة الوسط ثم مسؤول الهندسة على منطقة الجنوب .

وجدير بالذكر أن مُعظم تنظيمات العصائب في النجف الأشرف والديوانية تأسسّت من خلال الشهيد مكي الجمالي وبقيادته وكان يُشرف بنفسه على تدريبهم وتطوير كفاءتهم القتالية ، ولأخلاصه وتفانيه في عمله في المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق كان يوصي من حوله قائلاً : (العصائب بيتنا ، ويجب علينا أن نسعى دائماً لحماية وإعمار وتوسيع هذا البيت) .

عمليات نوعية :

لعل كُثرة وأهمية العمليات البطولية التي نفذها الشهيد أبو صديقة هي مما يجعل الحديث عنها وتوثيقها أمراً صعباً أو يحتاج إلى وقت وجُهد إستثنائي إلا أننا يُمكن أن نذكُر من عملياته النوعية مُشاركته في عملية كربلاء المقدسة النوعية ضد مقر قيادة عمليات الإحتلال الأمريكي سنة 2007م وكانت مُهمته فيها تأمين إنطلاق المجاميع من كربلاء وتأمين تجهيزات الهندسة وتفجير الآليات العسكرية من أحد التقاطعات إلى مكان تنفيذ العملية وكذلك نشر قسم من الأفراد .

وكانت أوّل عملية عَسكرية مُقاومة كَلّفَتهُ بها المقاومة الإسلامية عصائب أهل الحق كانت سنة 2004م عندما قام الشهيد مكي الجمالي بالتخطيط لأيام طويلة دامت 15 خمسة عشر يوماً لتنفيذ عمليته المباركة ضد رتل سيارات إسرائيلية يَمُر بالنجف الأشرف مُتجهاً إلى ناحية الكفل شمال النجف التي كانت للمُخابرات الإسرائيلية تواجُد مُخابراتي فيها فكان حريصاً جداً على إنجاح هذه العملية لأنهُ كان يَشعُر بإمتعاض شَديد عندما يَعلم بوجود إسرائيلي يُدنّس أرض النجف الأشرف ، وَيَوم تنفيذ العملية أمر أخوانه بإسباغ الوضوء والتوجه بالدعاء من الله تعالى لتحقيق النصر أو الشهادة فكان هذا فعله قبل تنفيذ كُل عملية فكان يتوضأ ويدعو الله مُخلصاً . فإستجاب الله دُعاءهم وتم تدمير الرتل وإنهاء وجودهم هُناك بالكامل .

ومن عملياته الكمين الذي خطط لهُ ليصطاد به أرتال العدو الأمريكي المحتل فقام بصناعة وزراعة العبوات الناسفة لهُم من طريقين لا يُمكن أن يَفلتوا من أحدها في أحد مناطق الكوفة ، ولأنهُ صاحب خبرة بطبيعة آليات الإحتلال فإنهُ صَمّم (العبوة الحركية ذات الطابقين !!) لتُحقق هدفها بإحترافية عالية خصوصاً وأن الشهيد أشرف بنفسه على تنفيذ العملية ومن مسافة قريبة جداً حتى كاد عَصف الإنفجار أن يُصيبه بأذى لولا لُطف الله تعالى .

جهاده في سوريا :

ما أن تعرّض مرقد السيّدة زينب “عليها السلام” في سوريا إلى الخطر والتهديد من التكفيريين والظلاميين والطائفيين الهَمَج من ذيول وأدوات الإستكبار العالمي حتى إنبرى وتطوع الغيارى من أبناء العراق للجهاد والمقاومة دفاعاً عن حُرمة وقدسيّة مَقامها السامي وكان منهُم الشهيد القائد أبو صديقة مَكّي الجمالي الذي كانت لهُ صولات وجولات في التصدي لقتال التكفيريين هُناك ، وكان لهُ وَعيٌ وإدراك خاص بهذه القضية فكانت كلماته الخالدة التي ظلت ألسنة المقاومين تُرَدّدها من بَعدِهِ عندما خاطَب المجاهدين هُناك بالقول : ((أنا أقول يا أخواني “وأنا أيضاً مشمول بهذا الكلام” لا بُد لكُل واحد منا إذا إنطلق من العراق وأعطى عهداً لأبي الفضل العباس “ع” بأننا حُماة لزينب “ع” .. حُماة للإسلام فلن تسبى زينب “ع” بغض النظر عن النيات الموجودة في داخلنا لا بد أن نفي بهذا العهد . يا أخوان كُل واحد منكُم وأنا أكلم نفسي أولاً لا بُد أن أجعل من أبي الفضل العباس “ع” رمزاً لي بهذا المعركة .. أخوان لا بُد أن تدركون أن هذه المعركة هي تجريب لمعركة قادمة في العراق هي معركة وجود . إذا كانت المعركة هُنا معركة دفاع عن المذهب وعن زينب “ع” سلام الله عليها فالمعركة في العراق معركة وجود لمذهب أمير المؤمنين “عليه السلام” ..)) .

ونظراً لجدارته في المقاومة في سوريا فإنهُ تولى مَلَف تطويع وتدريب وإيصال المتطوعين للمشاركة في مُقاومة التكفيريين في سوريا دفاعاً عن المقدسات هُناك . ثم سُرعان أن أصبح آمر لواء كافل زينب “عليها السلام” لأكثر من شهرين ، وهُناك في سوريا قام بدراسة شاملة لوضع القوات المقاومة وخصوصاً في منطقة “المليحة” التي تحرّرت بجهوده ، حيث قام بإعادة هيكلة القوة المقاتلة هُناك وَنَظّم الإختصاصات وأجرى المناورات وثبت نُقاط الإشتباك مع العدو بنفسه وأجرى الإستطلاعات الكافية وَدَخَل المواجهات بنفسِهِ مَعَ التكفيريين حتى كاد أن يَستَشهِد حينها بعد أن حوصر في أحد المباني التي كان العدو يَتَحَصّن فيها ولولا شجاعتهُ وإصراره على الإستمرار في هذه المواجهة لإستمرت المواجهات في “المليحة” إلى وقت طويل . كما أنهُ كانت لهُ بصمات واضحة في تحرير وتأمين مناطق مُهمة في مزارع شبعا ومنطقة الطباخ في سوريا .

وَممّا يَذكُره ويُسجّلهُ لهُ أبناء المقاومة الإسلامية مواقفه العديدة في نُصرة وَدَعم أخوانه من المقاتلين في الفصائل الأخرى عندما كانوا يَتَعَرّضون إلى خَطَر أو كمين أو حِصار رَغم أن ذلك لَم يَكُن من مَسؤولياته إلا أنهُ كان يَنظر للحرب على أنها بين جَبهَة الحق وجَبهَة الباطل لا أكثر وما دام قادراً على نُصرَة الحق وأهله فإنهُ لَن يَدّخر جُهداً لأجل ذلك .

جهاده ضد الدواعش في العراق :

إشترك في المعارك ضد زمرة “داعش” في عمليات “جرف النصر” الأولى بصفة “مُعاون مسؤول العمليات” وفي معركة “جرف النصر” الثانية شارك فيها بصفة “مسؤول محور” ، وفي معارك سامراء المقدسة أصبح مسؤول منطقة وتولّى إدارة الكادر الأساسي في عمليات سامراء المقدسة وإشترك في تطهير الجانب الأيمن (الجهة الشرقية) من سامراء المقدسة ثم إشترك في تطهير المرحلة الأولى مع القائد الحاج مهدي الكناني ، وفي المرحلة الثانية إشترك أيضاً مع الحاج مهدي الكناني في تطهير الجزء الثاني من سامراء المقدسة بصفة مُعاون مسؤول عمليات في محور (سورشناس ـ ألبو عجيل) ضمن عملية تطلبت منهُم إلتفاف محوري عبر الصحراء لمُحاصرة الزمر التكفيرية في مناطق ألبو عَجيل والعَلَم ثُم تطهيرها .

الفوز بالشهادة :

بقي الشهيد مكي الجمالي يَتَحَسّر على الفوز بمَنزِلَة الشّهادة طويلاً فكان عندما يُشاهد صور الشُهداء يَضرِب بيَدَيه وَيَقول لَقَد فاتَ الأوان .. مَتى أستشهد ؟ وذات يوم وبينما كان يُجاهد الأعداء التكفيريين في سوريا تعرّض مع أخوانه الـ(19) إلى هجوم كثيف بالأسلحة الرشاشة الثقيلة ولكنهُم خرجوا من هذا الموقف سالمين جميعاً إلا أن الشهيد مكي الجمالي كان يقول لهم: أشعُر بأني لست قريباً من الله تعالى ! فقيل لهُ : كيف ؟ ولماذا ؟ قال : لأني لم أوفّق للشهادة . هكذا كان ينظُر الجمّالي للشهادة على أنها توفيق إلهي لا يَنالَهُ إلا المقربون .

ويبدو أن خاتمته إختارها لهُ الله تعالى عندما جَمَعَهُ مع القادة الشهيد الحاج مهدي الكناني والشهيد نوري الحريشاوي أبو زهراء وآخرون في مَعرَكَة (تطبيق العدالة) في شمال سامراء المقدّسَة ، ففي صبيحة يوم الأربعاء 12/جمادى الأولى/1436 هجـ الموافق 4/آذار/2015م صلّى الفجر مع أخوته المقاومين وإستعجل الإفطار وطلب من الحاج مهدي الكناني أيضاً أن يَستَعجل بإفطاره للإنطلاق للمعركة وكأنهُ كان على موعدٍ هام ، وَفي الطريق وَبَعدَ أن وَصَلوا قرب أحد الشوارع في ألبو عجيل خَرَجَت لَهُم شاحنة مُفخّخة ومُدرّعة يقودها إنتحاري داعشي وإستهدفتهم ليفوزوا بالشهادة وَيَنعَمون بجوائزها عندَ مَليك مُقتدر .

التعليقات مغلقة.